بسمِ اللهِ ، والحمدُ للهِ ، والصلاةُ والسلامُ على سيِّدِنا محمَّدٍ رسولِ اللهِ ،
أَمَّا بَعْدُ
فإنَّ حِرْصَ الإنسانِ على اجتنابِ الخطأ أمرٌ فطريٌّ ، لكن يَنْدُرُ أَنْ يُجَانِبَ أحدٌ الوقوعَ فيه ، ويَقِلُّ الخَطَأُ مع الحِرْصِ والأَنَاةِ ، ويَكْثُرُ مع الإهمالِ والعَجَلَةِ ، ومضى عليَّ أربعون سنة وأنا أُحَقِّقُ النصوصَ ، وأَحْرِصُ على ضَبْطِهَا قبلَ طَبْعِهَا ، ولم يتيسر لي مراجعة عدد من تجارب طباعة كتبي النهائية ، ومِن ثَمَّ قد يَقَعُ فيها الخَطَأُ ، فعلى الرغم من حرص الناشر على تصحيحها قد يفوت عليه شيء من أخطاء الضبط أو الرسم ، وفي الغالب لا يخفى على القارئ اللبيب أكثرُ ذلك.
وبعدَ أَنْ تقدَّمَتْ وسائل الطباعة ، وانتقلتْ من مرحلة تقديم نسخة ورقية من الكتاب إلى المطبعة ، إلى مرحلة تقديم نسخة إلكترونية ، قَلَّتْ فرص وقوع الأخطاء ، وإن لم تنعدم ، لأنَّ مَن يقوم بِصَفِّ الكتاب لتهيئته للطباعة قد يَقَعُ في أخطاء في ترتيب النص أو يُسْقِطُ شيئاً منه ، وبعد أَنِ اشتغلتُ بمراجعة أعمالي العلمية القديمة وأنا أحرصُ على إعداد نسخٍ إلكترونية مُصَحَّحَةٍ منها لتقديمها إلى المطبعة ، تفادياً للأخطاء.
وصرتُ أشعرُ بالطمأنينة أكثرَ مِن قَبْلُ وأنا أقدِّم ما أُنْجِزُ من أعمالي العلمية إلى المطبعة في ملفات إلكترونية بعد مراجعتها ، وكنت أحسب أن ذلك سَيُجَنِّبُهَا أخطاء الطباعة ، لكنِ اكتشفتُ أَنَّ هناك مداخلَ جديدةً لوقوع الأخطاء في تلك الملفات ، خاصة ما يتعلق بالآيات القرآنية ، وهو أمر أشد خطورة ، وقد اتصل بي قبل أيام صديقي الدكتور محمد الوائلي ، ليلفت نظري إلى وقوع عدد من الأخطاء في كتاب (البيان في خط مصحف عثمان) لابن الجزري في طبعته الجديدة ، تتعلق بضبط عدد من الكلمات القرآنية ، جزاه الله خيراً.
وحين نظرتُ في النسخة المطبوعة من الكتاب التي صدرت مؤخراً عن دار الغوثاني للدراسات القرآنية وجدتُ ذلك قد وقع فعلاً ، وتَتَبَّعْتُ الكلمات القرآنية في الكتاب لأكتشف وقوع عدد من الأخطاء ، أكثرها في ضبط أواخر الكلمات ، وهو عدد قليل بالنسبة إلى مجموع الكلمات القرآنية التي تجاوزت (1750) كلمة ، لكنْ إذا أمكن التسامح مع بعض الأخطاء فإنه يصعب غض النظر عن الأخطاء الحاصلة في ضبط الكلمات القرآنية.
ورجعتُ إلى الملف الإلكتروني الذي قدَّمته للمطبعة للتدقيق في الكلمات التي وَقَعَ فيها ذلك ، واكتشفتُ أن الكلمات التي حصل فيها الخطأ مكتوبة بشكل صحيح فيه ، وترجَّح عندي أن الخطأ وقع في أثناء إعادة صف الكتاب في المطبعة ، ويبدو أن تحويل (ملف الوورد) إلى الشكل الطباعي يتطلب إعادة تنزيل الكلمات والآيات القرآنية بخط جديد ، وبدلاً مِن أن يقوم مَن يتولى صَفَّ الكتاب بتنزيل الكلمة وهي مرفوعة مثلاً يقوم بتنزيلها وهي منصوبة أو مجرورة ، فيقع الخطأ بسبب ذلك ، وأول كلمة وقع فيها الخطأ هي كلمة " الكتاب " في أول سورة البقرة [2] ، فقد كُتِبَتْ بالنصب ، وهي صحيحةٌ رَسْماً ، لكنها ليست كذلك ضَبْطاً ، وسبب الخطأ هو تنزيل الكلمة في موضعها من غير مراعاة حركتها الإعرابية ، وفاتني ملاحظة ذلك عند مراجعة تجارب الطباعة ، باعتبار أن الكلمات القرآنية قد تمت كتابتها من مصحف المدينة ، ولن يقع فيها خطأ.
وقد جعلتني هذه الواقعة أكتب هذه المقالة ، ليستفيد منها مَن يقوم بنشر النصوص التي تتضمن كلمات قرآنية ، وليستفيد منها أيضاً مَن يتولى صَفَّ الكتب ويقوم بتهيئتها للطباعة ، وقد ألحقتُ بهذه المقالة جدولاً بالأخطاء التي اكتشفتها في الكلمات القرآنية ، ليقوم بتصحيحها مَن عنده نسخة من الكتاب ، وهذا أضعف الإيمان ، وأرجو ألَّا يتكرر وقوع ذلك في المستقبل ، وقد يكون في قول الإمام محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله – الذي نقله عنه تلميذه سليمان بن الربيع بعض العذر لي ولأمثالي.
"قال البيهقي ، رحمه الله : أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي ، قال: سمعتُ أبا الحسن القصَّار، الفقيه ، يقول: سمعتُ ابن أبي حاتم يقول: سمعتُ الربيع بن سليمان يقول: قرأتُ (كتاب الرسالة المصرية) على الشَّافِعِيِّ نيفاً وثلاثين مرة ، فما من مرة إلا كان يصححه ، ثم قال الشَّافِعِي في آخره : أَبَى اللهُ أَنْ يكونَ كتابٌ صحيحٌ غيرَ كتابهِ"، (تفسير الإمام الشافعي 2 /631).
وهذا جدول بتصحيح أخطاء الطباعة في كتاب
البيان في خط مصحف عثمان