بسم الله الرحمن الرحيم
مرحباً بك أخي السائل ، ولا تتحرج من طرح الأسئلة ، وأنا أجيب عنها بقدر ما يتيسر لي ، وعسى أن تجد في إجابتي ما يحل لك بعض المشكلات أو يجيب عن بعض التساؤلات ، وقد سألتَ ثلاثة أسئلة ، وهي تتعلق برسم المصحف وعلاقة القراءة به ، وإجابتي عنها ما يأتي:
السؤال الأول : لماذا وافق رسم المصحف الحالي الذي بين أيدينا رسم المصحف الكوفي دون غيره من المصاحف العثمانيه الاخرى؟
الجواب : هناك اختلاف في رسم عدد من الكلمات في المصاحف العثمانية الخمسة التي كُتِبَتْ في زمن سيدنا عثمان بن عفان t ، وبعض ذلك الاختلاف يتعلق بتقاليد الكتابة ، ولا ينعكس على النطق ، مثل كتابة كلمة (الصراط) بألف أو بدونها ، وليس هناك قراءة بحذف الألف ، وبعضها يعكس قراءات مشهورة في زمن تدوين المصاحف ، فكتبت مفرقة في المصاحف الخمسة.
ولعلك تريد بقولك : (المصحف الحالي) مصحف المدينة النبوية ، وجاء في التعريف بالمصحف أن هجاءَه أُخِذَ مما رواه علماء الرسم عن المصاحف العثمانية ، مما نقله أبو عمرو الداني ، وتلميذه أبو داود سليمان بن نجاح في كتبهما ، مع ترجيح الثاني على الأول ، عند الاختلاف.
ويمكن القول : إن القاعدة العامة في رسم المصاحف أن يكون على ما يوافق القراءة التي يضبط بها المصحف ، في الكلمات المختلف فيها ، وهو ما ينطبق على مصحف المدينة المضبوط على ما يوافق قراءة عاصم من رواية حفص ، وكذلك المصحف المضبوط على ما يوافق قراءة نافع من رواية ورش.
السؤال الثاني : هل تم نقط المصحف وشكله وضبطه تاريخياً على قراءة حفص برواية عاصم ؟ وهل هذه القراءة التي امتازت بالشهرة والاستفاضة هي بالفعل قراءة جمهور الأمة من زمن النبي عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا ؟
الجواب : لا يخفى عليك أن المصاحف العثمانية كانت مجردة من النَّقْطِ والشَّكْلِ ، واخترع أبو الأسود الدؤلي (ت69هـ) العلامات الدالة على الحركات نُقَطاً بالحمرة ، واخترع تلميذه نصر بن عاصم (ت90هـ) نقاط الإعجام ، وغَيَّرَ الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت170هـ) نقاط أبي الأسود إلى الحروف الصغيرة التي نستعملها في كتابتنا اليوم.
وكانت المصاحف بعد اختراع العلامات تُنْقَطُ وتُضْبَطُ بحسب قراءة معينة من القراءات المشهورة في عصر كتابة المصحف ، ولم تكن قراءة عاصم هي قراءة جمهور الأمة ، بل هي واحدة من القراءات المشهورة منذ عصر تابعي التابعين ، وترجع إلى قراءة الصحابة الذي تلقوا القرآن عن النبي r ، واشتهرت قراءة عاصم برواية حفص عنه في القرون المتأخرة في بلدان المشرق الإسلامي ، كما اشتهرت رواية ورش عن نافع في بلدان المغرب الإسلامي.
السؤال الثالث : هناك بعض القراءات التي تخالف رسم المصحف الحالي بالزيادة أو النقص مثل ( كلمة [هو] في سورة الحديد الآية الرابعة والعشرون ، وكلمة [من] في سورة التوبه الآية مئة) ، ما هو مرجعنا في ذلك ؟
الجواب : هناك حوالي أربعين موضعاً في المصاحف العثمانية اختلفت فيه بالزيادة والنقصان بحرف أو حرفين ، أحصاها علماء رسم المصحف ، من خلال النظر في المصاحف العثمانية ، مثل (وَصَّى) و(أَوْصَى) في سورة البقرة [132] ، و(يَرْتَدَّ) و(يَرْتَدِدْ) في المائدة [54] ، و(تجري تَحْتَهَا) و(تجري مِن تَحْتِهَا) في التوبة [100] ، وهذه الاختلافات تُمَثِّلُ قراءاتٍ قرأ بها الصحابة رضوان الله عليهم ، وكانت متساوية في القوة والشيوع ، ولا يحتملها الخط الواحد ، مما جعل الصحابة يكتبون بعضها في مصحف والبعض الآخر في غيره.
ويلزم مراعاة قراءة القارئ الذي يُضْبَطُ المصحف بقراءته عند رسم تلك الكلمات ، بحيث يكون رسمها موافقاً لقراءة ذلك القارئ.
آمل أن تكون إجابتي موضحة لما سألت عنه ، والله تعالى ولي التوفيق.
القسم:
إجابات
التاريخ:
29 يناير
2017
لايوجد تعليقات