السؤال: كيف يتحقق إخفاء النون الساكنة والتنوين؟ لعلكم تفصلون الرأي في بيان حقيقة هذه الظاهرة...جزاكم الله خيرا.
الجواب: يتحقق الإخفاء باختصار عملية النطق ، وذلك بأن يعمل اللسان في الحرفين عملا واحداً بدل أن يعمل عملين : عمل للنون وعمل للحرف الذي بعد النون ، ويترجح عندي أن اللسان عند إخفاء النون أو التنوين يتخذ الوضع الذي يتخذه عند النطق بالحرف الذي بعد النون ، فيحصل الانطباق مع الحرف الشديد ، ولا يحصل مع الحرف الرخو.
وأحسب أن مثل هذه الأمور واضحة عندك ، لكني أطلت عليك محاولة مني لتوضيح وجهة نظري ، أو ما يترجح عندي في هذه المسألة التي لم تسعف الكتب القديمة ببيانها على نحو شاف ، وذلك لاستغناء المتقدمين بالرواية عن تكلف القول في هذه الظاهرة الدقيقة.
وأعود للنظر في الإخفاء في مثل ( منذر ) فيبدو لي أن طرف اللسان يتخذ عند النطق بالنون الشكل الذي يتخذه عند النطق بالذال ، وتنخفض اللهاة للسماح للنفس بالمرور باتجاه الأنف ، حتى إذا استوفت الغنة حقها انفتح طريق النفس للمرور من الفم من غير أن يتغير موضع اللسان ، فيتحقق بذلك النطق بالذال .
إن ظاهرة الإخفاء تخضع لقانون صوتي ، هو قانون الاقتصاد في المجهود ، ومثله في ذلك الإدغام ، ومعنى ذلك أن عمل اللسان في نطق النون ثم عودته للعمل في الحرف الذي بعد النون ، وهو ليس بعيداً عن النون ، يترتب عليه نوع من الثقل ، يمكن اختصاره بالإخفاء وذلك بوضع اللسان في موضع الحرف الذي بعد النون ، فيعمل اللسان مع الحرفين عملاً واحداً ، ولعل هذا هو ما قصده سيبويه رحمه الله في قوله ، وهو يتحدث عن إخفاء النون : " كان أخف عليهم أن لا يستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة ..." (الكتاب 4 /454).
- يبدو لي أن إخفاء النون عند ( د ت ط ض ) على مذهب من يضع لسانه مع النون المخفاة في موضع الحرف الذي تخفى عنده ، لا على مذهب من يجافي ، أقرب إلى الإظهار منه إلى الإدغام ، لأن الإدغام يقتضي ابتعاد الحرف المدغم عن مكوناته الصوت واكتساب مكونات الحرف المدغم فيه ، والذي يحصل في النطق بالنون عند الحروف المذكورة أن صوت النون لم يفقد شيئاً من مكوناته الصوتية ، اللهم إلا في اشتراكه في وضع اللسان للحرفين وضعاً واحداً ، مع بقاء الغنة واضحة من الأنف ، فعند النطق بالنون في مثل ( عند ) نضع طرف اللسان عند النطق بالنون على اللثة ، ثم يجري الصوت غنة من الأنف حتى إذا استوفت النون الساكنة حظها من النطق انسد طريق النفس نحو الأنف وانضغط الهواء في الفم ، من غير أن يتغير موضع اللسان من اللثة ، فإذا انفصل طرف اللسان عن اللثة اندفع الهواء محدثاً صوت الدال ، ووصف النون هنا بالإخفاء لأنها شاركت الدال في موضعها من طرف اللسان واللثة .
إن بعض القراء يحاول تقليل التصاق اللسان باللثة عند النطق بالنون تحقيقاً للإخفاء ، لكن آخرين لا يفعلون ذلك ، ولعل هذا هو الراجح. والله تعالى أعلم.
القسم:
إجابات
التاريخ:
04 أغسطس
2014
لايوجد تعليقات